الجمعة، أغسطس 09، 2013

نفحات العيد (قصة قصيرة)

بمناسبة عيد الفطر المبارك، أقترح عليكم قصة "نفحات العيد" من مجموعة "حين تهوي القلاع" الفائزة بجائزة القناة الثانية 2009م.
قراءة ممتعة وعيد مبارك سعيد.
                                                                                                  


    نـفحـات العـيـد    

 إنها  ليلة العيد، وبعيدا عن كل الصور المألوفة تشكلت صورة مختلفة، صورة تنبعث عبرها الأوجاع من الأعماق السحيقة للقلبين الذين ظلا ينصهران تحت ستارة صامتة منذ زمن بعيد، حين رحل الأبناء الذين كانوا بالأمس كالثريات المضيئة...غادروا العش الكبير محلقين نحو أعشاشهم الجديدة، رحيلا اقتلع الجذور وهشم الأغصان المتشابكة في حنان.
تلتقي نظراتهما الذابلة عبر الضوء الخافت القادم من الغرفة المجاورة للفناء، ولا صوت تنبس به الشفاه فيقتحم السكون الجاثم على المكان. ينتظران بأمل قاتم أن يجيء الصوت من مكان آخر فيدفع الصمت والسكون الثقيل والآلام بعيدا عنهما، قد يبعث به الباب الواجم قبالتهما، أو ربما تلين الخيوط المتصلة بالهاتف فتمر عبرها كلمات تحمل دفئا وحنانا وأنسا. ينقر الشيخ بعكازه وجه الأرض برتابة دقات الساعة المعلقة أعلى رأسه، بينما تسبح العجوز بنظراتها في الفراغ، كأنها تلاحق رمضان المنصرف بوجه حزين، تسترجع أيامه وساعاته التي لم تحمل جديدا يثلج صدريهما ويرسم على فاهيهما البسمات.
بيديها المرتعشتين فتحت النافذة، فاستقبل جسدها النحيف تحت الإزار الواسع نسائم العيد القادم، ثم اقتحمت مشاهد الأطفال الفرحين ملء جفونهم بملابس العيد الزاهية أسوار وحدتهما، وتسللت ضحكاتهم الواثبة وكلماتهم المتقطعة إلى جوف الدار الواجمة، لتغير رتابة دقات العكاز ساحبة صاحبه نحو النافذة يتطلع للحركة المميزة خارجا.
-         لا أعتقد أن أحدا سيجيء الليلة.
قالها بصوت خافت.
لم تستطع العجوز التعقيب، فقد سلبتها الدموع المنهمرة القدرة على الكلام. أغلقت النافذة، فاصلة بين البهجة المتألقة والألم المتراكم ككومات من الإسفلت.
بدا الليل موحشا متربصا بهما، فقد استمرت الجدران الباردة في بعث صمتها، وعجز السكون الثقيل عن تنويم جفونهما. حركة الأحفاد يلعبون في كل الأرجاء، وجلسة الأبناء يسردون حكاياهم، وسهر البنات يعددن الطعام، شكلت أبعاد صورة ظلت مرسومة أمامهما كثوب شفاف تعبث به عواصف الخريف...ثم حل الصباح حاملا معه نفحات العيد، روائح الحلوى والرغيف، كلمات دافئة، وضحكات ترتفع في كل أركان الحي...عاد الشيخ من مصلاه ترافقه بسمة تشكلت هناك، وزوجته لم تزل غارقة في يم حزين متدفق بأمواج من الدموع، باعث بأنين خافت صاعد من بين أضلعها. اختار مكانا على مقربة منها، ثم قعد جاعلا ناصيته على ظهر يده المستندة على العكاز مقطبا جبينه ومغمضا عينيه.
لم يلبث طويلا على حاله، إذ انبعث صوت قرع على الباب، أسرعت العجوز نحوه وظل هو واقفا يترقب. مسحت دموعها بكمي ثوبها، ودون تردد فتحته... فوجئت بطفل صغير ظنت أنها تعرفه، مبتسما ناولها صينية من الرغيف والحلوى قائلا:
-         بعثت أمي هذه لكما، وباركت لكما العيد، وتخبرك أنها ستزورك في المساء.
قبلت جبينه.. ثم اتجهت صوب المطبخ...أعدت الشاي...وضعته والصينية أمام زوجها طالبة منه أن يسكب منه لهما.
تمتد الأيدي المخطوطة بالتجاعيد نحو الحلوى...تقطع الرغيف. تتلعثم الأفواه الجافة بعبارات قصيرة... ثم أسئلة وأجوبة... ثم حديث طويل.
                                                         
"حتى لا ننسى أحباءنا في الأوقات المميزة، عيدكم مبارك سعيد، أدخله الله عليكم بالخير والبركات."
توفيق.

معالم الكتابة الروائية في " المحارب القديم " لتوفيق باميدا

يتميز توفيق باميدا بقدرة على السرد، في بناء عوالمه الواقعية والتخييلية، وقد تشكلت هذه العوالم من ثلاث حكايات؛ الحكاية الأولى تتحدث عن الابن ...