الخميس، نوفمبر 07، 2013

الإذاعات الخاصة، هل انزلقت إلى مستوى الرداءة؟


حين تضبط مذياعك سواء كان منزليا أو في سيارتك أو في هاتفك المحمول على موجة الإف إم، ثم تباشر البحث عن الإذاعات التي يستطيع مذياعك هذا بلوغ التقاطها، فإنك ستحصّل على عدد لا بأس به منها، بعضها يبَثّ بالعربية وبعضها بالفرنسية أو هما معا، وبعضها بالأمازيغية، وبعضها الآخر بالدارجة المغربية. والملفت للانتباه، هو أن معظمها هو إذاعات خاصة وليست عمومية.
 في الوقت الذي تم فيه الإعلان عن إعطاء نفس جديد للمشهد الإعلامي المغربي من خلال تحرير القطاع السمعي البصري، اجتاحنا الفضول لمعرفة ما ستحمله القنوات الخاصة المرخّص لها من قيمة مضافة للمشهد الإعلامي المغربي، خصوصا أن تمة فئة عريضة من المواطنين تعشق المذياع، إما متابعة له، أو تجاوبا مع برامجه عن طريق المشاركة، أو فقط الاستئناس به.
اليوم، وبعد أن رسخّت هذه القنوات تواجدها على الساحة الإعلامية، وباتت لها نسبة جدّ مهمة من المعجبين والمتتبّعين، بل إن حضورها بات أقوى من حضور نظيراتها الوطنية، واستهدفت بعض برامجها فئة معيّنة من الشباب لم يكن لهم أي اهتمام بما يعرضه المذياع ربما فقط وصلاته الموسيقية، صار لزاما على المهتمين والنقاد والباحثين التوقّف على هذه الظاهرة، ودراستها دراسة مستفيضة ومتأنّية، فهي تمسّ مباشرة عصب المجتمع عبر نقل الأفكار والآراء والمقترحات وما إلى ذلك، بواسطة لغة وأسلوب معّينين، إذ أنّها وكوسائل الإعلام الأخرى تعتبر سلاحا ذا حدّين.
وحتّى لا أعمّم حديثي هذا على كل الإذاعات الخاصة المغربية، فإني أستثني بعضها، وأشير إلى أنّ أغلبيتها قد أثارت انتباهي في بعض المسائل المتعلّقة بالشكل والمضمون في بعض برامجها التي تلقى اهتماما كبيرا من طرف المواطن المغربي عاشق المذياع. وأعني بالشكل هنا اللغة المتداولة، والأسلوب المتبّع في تقديم هذه البرامج. وأقصد بالمضمون المواضيع التي تتطرّق لها والأفكار المتداولة خلالها. ناهيك عن الرسائل التي يتم تمريرها بين هذا وذاك.

أوّلا: اللغة والأسلوب
إنّ اللغة المعتمدة من طرف بعض مقدّمي البرامج هي لغة مبتذلة أقرب إلى لغة "الشارع"، حيث استعمال الألفاظ والتعابير التي تحدث تلوّثا سمعيّا لدى المستمع. وعلى سبيل المثال فقد يفاجئك، مقدم أحد البرامج وهو يستعمل عبارة ستجعلك تتصبّب عرقا إن سمعتها وأنت وسط أفراد عائلتك. وفي أحيان أخرى تحسّ وكأن مقدّمي البرامج وضيوفهم يجلسون في مقهى بينما أنت تسترق السمع إليهم، حيث النكات المبتذلة والضحكات العالية والتهريج بل قد يعمد المقدّم مثلا إلى معاكسة زميلته والتي تردّ عليه هي الأخرى بضحكة عالية.

أما بعض الإذاعات فهي تعمد في بعض برامجها إلى استضافة فكاهّي يحادث المستمع بلغة مبتذلة لا ترقى إلى المستوى المرجوّ، بل إنها تدفعك إلى الاشمئزاز من متابعة الاستماع.

أيضا، تعمد بعض الإذاعات إلى تقديم نشرتها الإخبارية بالدارجة المغربية، ونحن نعلم أن الدارجة هي خليط من العربية والفرنسية وألفاظ أخرى، فتتداخل اللغات، وينزل مستوى التعبير، ونحصل على شيء مثل هذا القبيل: "ربحات الفرقة ديال مانشيستر يونايتد على الفرقة ديال مانشيستر سيتي في مبراة الديربي اللي جمعاتهم البارح في البريميير ليغ، البطولة الإنجليزية، بنتيجة ثلاثة لجوج، وسجّل المهاجم الهولاندي فان بيرسي... "

ثانيا: المواضيع والأفكار
تعمد جلّ هذه الإذاعات إلى الخوض في مواضيع تصنّف على أنها "طابوهات" خصوصا "طابوه" العلاقة بين الرجل والمرأة، وغالبا يتم ذلك عبر استضافة خبير أو طبيب أو شخصية مشهورة، إضافة إلى تلقّي اتصالات المستمعين للمشاركة. عندها يتمّ الخوض في أمور بالغة الحساسية، ويعمد المتصّل أو المقدّم أو الخبير إلى تفصيل الإشكالية تفصيلا دقيقا، عن طريق استعمال أوصاف وتفسيرات جدّ مبالغ فيها.
هذه المواضيع بالنسبة للمشتكي هي أمور شخصية، فإن وجب عليه طرح مشكلته النفسية أو الجسدية للعلاج فهذا يتم عن طريق زيارة الطبيب بشكل يضع المسألة في طابع سرّي خاضع لأخلاقيات المهنة، وليس عن طريق إذاعة المشكل والخوض في تفاصيله أمام الملأ ودون مراعاة ضوابط المجتمع المغربي "المحافظ"، والذي من المفروض أنّه يستحيي من مشاركة العائلة أو بعضه البعض الإنصات لمثل هذه المواضيع.

 أيضا، هناك بعض البرامج التي تناقش مواضيع اجتماعية كاختيار شريك العمر والزواج عبر الأنترنيت مثلا، وذلك عن طريق تلقّي مشاركات المستمعين عبر المكلمات الهاتفية والرسائل القصيرة والبريد الإلكتروني. هنا، وفي كثير من الأحيان يتخذ الموضوع طابعا هزليا، لا سيما أن بعض المتصلين يعمدون إلى التدخل بطريقة فكاهية، وبأسلوب التنكيت المحشو بالسخرية، فتضفي مقدمة البرنامج وهي تنفجر ضاحكة مزيدا من الابتذال والرداءة على جو البرنامج الذي من المفترض أن يناقش المسألة بجدّية وموضوعية، عن طريق التحليل واقتراح الحلول. نفس الشيء ينطبق على برامج المسابقات، فهي تتم هي الأخرى في طقوس من التطبيل والضحك المجاني.

أما بعض المقدمين، فأنت تجدهم يخاطبونك من برجهم العاجي، وكأنك تلميذ في حضرة معلم صارم، حيث يبدو عليهم الانفعال الزائد. إذ ترتفع أصواتهم بشكل عصبي وتشتدّ لهجتهم، وهم يلقون على مسامعك خطابا في صيغتي الأمر والنهي. 

وجهة نظر:
إن كل ما أسلفت ذكره هو مجرّد ملاحظات عمّ أثار انتباهي، أو بالأحرى استيائي، فيما يخصّ بعض برامج قطاعنا السمعي الخاص. وهي لا تعدو في النهاية كونها وجهة نظر خاصة، قد يتّفق معها البعض وقد لا تروق إطلاقا للبعض الآخر. كما أنها، كما أشرت سابقا ليست معمّمة على كل البرامج أو كل الإذاعات، حيث أن بعض البرامج الإذاعية يتمّ تقديمها بمهنية عالية، وتتناول مواضيع هادفة، بأسلوب يحترم خصوصيات المجتمع ووعي المستمع، بعيدا عن الابتذال والفراغ اللغوي والموضوعي.
وفي انتظار أن يتمّ النهوض نهوضا واعيا وهادفا بإعلامنا السمعي والبصري والمكتوب، فإننا كمتابعين سنكون ملزمين ببذل جهد مضاعف لاختيار ما يتماشى مع أذواقنا، لا سيما أنّ للرداءة والميوعة عشاقها الذين يتسابقون من أجل ربط الاتصال بهذا البرنامج أو ذاك المقدم أو المقدمة. وسنستمر في التساؤل: هل يتعمّد المشرفون على تلك البرامج أن تكون برامجهم رديئة، أم أنهم ببساطة يخفقون في كل مرة في تجاوز الرداءة، أم لعلهم يحسبون أن ما يقدمونه هو بعيد كل البعد عن شيء اسمه رداءة؟

طاب يومكم
توفيق باميدا




الجمعة، أغسطس 09، 2013

نفحات العيد (قصة قصيرة)

بمناسبة عيد الفطر المبارك، أقترح عليكم قصة "نفحات العيد" من مجموعة "حين تهوي القلاع" الفائزة بجائزة القناة الثانية 2009م.
قراءة ممتعة وعيد مبارك سعيد.
                                                                                                  


    نـفحـات العـيـد    

 إنها  ليلة العيد، وبعيدا عن كل الصور المألوفة تشكلت صورة مختلفة، صورة تنبعث عبرها الأوجاع من الأعماق السحيقة للقلبين الذين ظلا ينصهران تحت ستارة صامتة منذ زمن بعيد، حين رحل الأبناء الذين كانوا بالأمس كالثريات المضيئة...غادروا العش الكبير محلقين نحو أعشاشهم الجديدة، رحيلا اقتلع الجذور وهشم الأغصان المتشابكة في حنان.
تلتقي نظراتهما الذابلة عبر الضوء الخافت القادم من الغرفة المجاورة للفناء، ولا صوت تنبس به الشفاه فيقتحم السكون الجاثم على المكان. ينتظران بأمل قاتم أن يجيء الصوت من مكان آخر فيدفع الصمت والسكون الثقيل والآلام بعيدا عنهما، قد يبعث به الباب الواجم قبالتهما، أو ربما تلين الخيوط المتصلة بالهاتف فتمر عبرها كلمات تحمل دفئا وحنانا وأنسا. ينقر الشيخ بعكازه وجه الأرض برتابة دقات الساعة المعلقة أعلى رأسه، بينما تسبح العجوز بنظراتها في الفراغ، كأنها تلاحق رمضان المنصرف بوجه حزين، تسترجع أيامه وساعاته التي لم تحمل جديدا يثلج صدريهما ويرسم على فاهيهما البسمات.
بيديها المرتعشتين فتحت النافذة، فاستقبل جسدها النحيف تحت الإزار الواسع نسائم العيد القادم، ثم اقتحمت مشاهد الأطفال الفرحين ملء جفونهم بملابس العيد الزاهية أسوار وحدتهما، وتسللت ضحكاتهم الواثبة وكلماتهم المتقطعة إلى جوف الدار الواجمة، لتغير رتابة دقات العكاز ساحبة صاحبه نحو النافذة يتطلع للحركة المميزة خارجا.
-         لا أعتقد أن أحدا سيجيء الليلة.
قالها بصوت خافت.
لم تستطع العجوز التعقيب، فقد سلبتها الدموع المنهمرة القدرة على الكلام. أغلقت النافذة، فاصلة بين البهجة المتألقة والألم المتراكم ككومات من الإسفلت.
بدا الليل موحشا متربصا بهما، فقد استمرت الجدران الباردة في بعث صمتها، وعجز السكون الثقيل عن تنويم جفونهما. حركة الأحفاد يلعبون في كل الأرجاء، وجلسة الأبناء يسردون حكاياهم، وسهر البنات يعددن الطعام، شكلت أبعاد صورة ظلت مرسومة أمامهما كثوب شفاف تعبث به عواصف الخريف...ثم حل الصباح حاملا معه نفحات العيد، روائح الحلوى والرغيف، كلمات دافئة، وضحكات ترتفع في كل أركان الحي...عاد الشيخ من مصلاه ترافقه بسمة تشكلت هناك، وزوجته لم تزل غارقة في يم حزين متدفق بأمواج من الدموع، باعث بأنين خافت صاعد من بين أضلعها. اختار مكانا على مقربة منها، ثم قعد جاعلا ناصيته على ظهر يده المستندة على العكاز مقطبا جبينه ومغمضا عينيه.
لم يلبث طويلا على حاله، إذ انبعث صوت قرع على الباب، أسرعت العجوز نحوه وظل هو واقفا يترقب. مسحت دموعها بكمي ثوبها، ودون تردد فتحته... فوجئت بطفل صغير ظنت أنها تعرفه، مبتسما ناولها صينية من الرغيف والحلوى قائلا:
-         بعثت أمي هذه لكما، وباركت لكما العيد، وتخبرك أنها ستزورك في المساء.
قبلت جبينه.. ثم اتجهت صوب المطبخ...أعدت الشاي...وضعته والصينية أمام زوجها طالبة منه أن يسكب منه لهما.
تمتد الأيدي المخطوطة بالتجاعيد نحو الحلوى...تقطع الرغيف. تتلعثم الأفواه الجافة بعبارات قصيرة... ثم أسئلة وأجوبة... ثم حديث طويل.
                                                         
"حتى لا ننسى أحباءنا في الأوقات المميزة، عيدكم مبارك سعيد، أدخله الله عليكم بالخير والبركات."
توفيق.

الاثنين، يونيو 24، 2013

إصرار - القصة الفائزة في مسابقة قصص على الهواء لشهر فبراير 2009

بسم الله الرحمن الرحيم







(منقول بتصرّف عن موقع: مجلّة العربي  (http://3arabimag.com

مجلة العربي - العدد 603 - 2009/2 - آداب - فخري صالح

قصص على الهواء
* قصص لأصوات شابة تنشر بالتعاون مع إذاعة بي. بي. سي العربية

---------------------------------------------------------------------

- لماذا اخترت هذه القصص؟         (فخري صالح: كاتب وناقد أردني)

 "تتخذ قصة «إصرار» لتوفيق باميدا من قوة العزيمة مادة لها تنسج منها حكاية قصيرة مكثفة مختزلة. من خلال الوصف الدقيق لرحلة الرجل وحماره بحثا عن جذع شجرة يحتطبه الرجل. ويتميز أسلوب الكاتب بنوع من المتابعة السردية الحثيثة للجو العاصف وسقوط الثلج المتتابع والوهن الذي يصيب الرجل وحماره في رحلتهما الصعبة في عالم يكتسي بالبياض ويهدد بالموت. إنها قصة مكثفة تدرك معنى القصة القصيرة وكثافة عالمها وطاقتها الفياضة التي تنبع من تركيزها بؤرة عدستها على خيط دقيق من الأحداث، ليصل الكاتب في النهاية إلى لحظة التنوير النهائية. "
----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------

                                              
إصـــــرار
توفيق باميدا (المغرب)

         يوم آخر شديد البرودة، على نقيض ما صرح به المذياع فإن الشمس لم تطل من تحت السحاب الكثيف لتبث ألسنتها الدافئة عبر الوجود، فالثلج لا يزال ساطعاً بعناد فوق الأرض التي تناسى الناس كيف كان شكلها قبل أن تبيض.

       بدت خطواته أكثر تهالكا وظهره أكثر انحناء وهو يخط طريقه، متبوعاً بحماره ذي المركبين الخشبيين، يجره بقوة من لجامه بينما تقبض يده الأخرى على فأس متوسطة الطول. عبر خيشوميه وفمه تتسرب أنفاسه الساخنة التي ما تكاد تلامس النسائم الباردة حتى تصير بخاراً.

الأفق الأبيض أمامه يزداد امتداداً واتساعاً، حتى التلال البعيدة باتت كشريط أبيض يؤطر النظر داخل لون واحد زاه. للحظة، قد يفكر في التنازل عما انطلق من أجله، لكن صورة أجساد أبنائه وهي ترتعش تحت البطانيات الثقيلة وعيونهم المتراقصة تحت ضوء الشموع الكئيبة جعلت كل شيء يبدو هينا.

    في بداية الشتاء كثر الحديث بين الناس عن الصبية الذين ماتوا من شدة البرد في الجبال المجاورة، أحس بالقلق يستوطن كيانه، ثم تضاعف حين أبان الشتاء عن أنيابه الحادة. ألسنة اللهب كانت كفيلة بأن تصد الهواء البارد بعيدا عن بيته، لكن حين أتت النار على كل ما خزن من الحطب، تحول الكوخ الفسيح إلى ثلاجة تجعل كل من فيها يرتجف وأسنانه تصطك.

     قبيل الفجر جر حماره وبدأ رحلته لعله يصادف أغصاناً متناثرة على الأرض، ولكن الثلج كان كثيفاً بحيث لم يكن ممكناً تمييز الأشياء التي يغطيها، والإقدام على الحفر سيكون مضيعة للوقت. المسيرة تطول ولا شيء يلوح فوق الأرض، التعب يزيد قدميه تجمدا والحمار أبان عن استسلام غريب وهو يصعد إحدى الربوات. راح يفكر في الأشجار التي تتناثر في المنطقة لعله يلمح إحداها في مكان قريب، بيد أن الوجود بدا صفحة واحدة بيضاء.

     وحين لاح طيف اليأس قريبا منه، فراحت قواه تخور تدريجياً إلى حد أنه استأثر الموت فوق الجليد وحماره على الرجوع صفر اليدين إلى منزله، لاح في الأفق أمل جديد. كرة سوداء تقبع فوق تلة قريباً منه، حين بلغ القمة وجد كرته السوداء هي ضالته التي خرج ينشدها، جذع شجرة أو ما تبقى من الشجرة. بين الغبطة والنشوة وجد نفسه يهوي بكل قوته على الجذع، يضرب ويضرب ومع كل اصطدام بين هدفه والفأس كان جسمه يرتد بقوة إلى الخلف. ثم توقف ليكتشف أن فأسه لم تترك أثرا على الجذع، لقد كان متجمداً، متصلباً بفعل الصقيع والثلج.

    لم يكن من حل أمامه سوى تسديد ضربات أكثر ضراوة، جمع أنفاسه وأحكم قبضته للفأس، رجع خطوة إلى الخلف وركز بصره على مكان محدد في الجذع. وقبل أن يهم بتسديد ضرباته أحس بنعومة وبرودة حبيبات الثلج المتساقطة على وجهه. ثم سرعان ما صارت الكتل البيضاء تتشكل فوق كتفيه ورأسه وظهر حماره، وفوق الأرض بأحجام أكبر. نظر صوب الأفق الذي بدأت معالمه تتبدل واستنتج أن الرجوع بعد دقائق سيكون صعبا.

   حلق صوت فأسه وهي تهاجم الجذع عالياً مخترقاً مرة أخرى الصمت الأبيض، بضربات أقوى أدت أخيراً إلى إحداث شرخ صغير. توقف ليستجمع أنفاسه، أحس بسخونة في يديه، كانت تشققات رقيقة قد تقاطعت عبر راحتيه، ما لبثت أن احمرت وازدادت عمقاً واتساعاً، كان الألم يزداد حدة كلما زاد من شدة إحكام قبضته للفأس، بينما وجدت القطرات الحمراء مستقراً جديداً، قرب قدميه، مازجة بين حمرتها والبياض، مصرة على أن تلون الثلج بلون آخر.

    لم يعد للألم وجود حين راحت صلابة الجذع تستسلم بخضوع للضربات العنيدة المتتالية، التي أرغمت الفأس على اختراق مركزه. هذه المرة لم يتوقف عن توجيه الضربات إلا حين رأى الجذع وهو يهوى صريعاً، صاح في غبطة بأعلى صوته ولكن الطريق التي جاء منه لم يعد لها وجود، تناثرت الكثبان الثلجية بأحجام يصعب اختراقها. شد الحمار من لجامه بعد أن ربط الجذع بحبل ثم مده ليلفه حول جسم الحيوان.

    انغرست قدمه بعمق إثر أول خطوة، ثم تتالت الخطوات المصحوبة بآلام في اليدين المتشققتين، في الظهر وفي كل الجسم. هوى على ركبتيه، ثم نهض، ثم هوى من جديد، ثم هوى على وجهه. امتلك التعب كل جسده، خرت قواه عن آخرها. تمسك بعنق الحمار في محاولة للنهوض. تنفس بصعوبة، ثم واصل بصعوبة خطواته الثقيلة.

    راحت صورة الأفق تتغير وباتت الأكواخ البعيدة تقترب وأبعادها تكبر. ثم وأخيراً..ومن وسط الصقيع المتخفي تحت الظلام الدامس، انبعثت نار صارخة تهب للمكان وأناسه دفئا ونورا.

(منقول بتصرّف عن موقع: مجلّة العربي  (http://3arabimag.com

.

الخميس، فبراير 21، 2013

ضيفا بمجلة "العربي الحر" بقصة: "رجل دون مأوى"

بسم الله الرحمن الرحيم


أتقدم بالشكر لمجلة "العربي الحر" الإلكترونية في شخص رئيس تحريرها الأستاذ "نزار الزين" لاستضافتها لي على صفحاتها وذلك من خلال قصة "رجل دون مأوى".

لزيارة الصفحة اضغط هنا: رجل دون مأوى


طاب يومكم
توفيق باميدا

معالم الكتابة الروائية في " المحارب القديم " لتوفيق باميدا

يتميز توفيق باميدا بقدرة على السرد، في بناء عوالمه الواقعية والتخييلية، وقد تشكلت هذه العوالم من ثلاث حكايات؛ الحكاية الأولى تتحدث عن الابن ...